أما معنى التجديف على الروح ، والخطية التى بلا مغفرة ، فسأشرحه لك بمعونة الرب ...
ليس التجديف على الروح القدوس هو عدم الإيمان باروح القدس ولاهوته وعمله ، وليس هو أن تشتم الروح القدس . فالملحدون إذا آمنوا ، يغفر الله لهم عدم إيمانهم القديم وسخريتهم بالله وروحه القدوس . كذلك كل الذين تبعوا مقدونيوس فى هرطقته وإنكاره لاهوت الروح القدس ، لما تابوا قبلتهم الكنيسة وأعطتهم الحل والمغفرة . إذن ما هوالتجديف على الروح القدس , وكيف لا يغفر ؟
التجديف على الروح القدس ، هو الرفض الكامل لكل عمل للروح القدس فى القلب ، رفض يستمر مدى الحياة .
وطبعاً نتيجة لهذا الرفض ، لا يتوب الإنسان ، فلا يعفر الله له .
إن الله من حنانه يقبل كل توبة ويغفر . وهو الذى قال " من يقبل إلى لا أخرجه خارجاً " ( يو 37:6 ) . وصدق القديسون فى قولهم :
لا توجد خطية بلا مغفرة ، إلا التى بلا توبة .
فإذا مات الإنسان فى خطاياه ، بلا توبة ، حينئذ يهلك ، حسب قول الرب " إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 5:13 ) .
إذن عدم التوبة حتى الموت ، هى الخطية الوحيدة التى بلا مغفرة . فإن كان الأمر هكذا ، يواجهنا هذا السؤال :
ما العلاقة عدم التوبة بالتجديف على الروح القدس ؟
علاقته واضحة . وهى أن الإنسان لا يتوب ، إلا بعمل الروح فيه . فالروح القدس هو الذى يبكت الإنسان على الخطية ( يو 8:16 ) . وهو الذى يقوده فى الحياة الروحية ويشجعه عليها . وهو القوة التى تساعد على كل عمل صالح ...
ولا يستطيع أحد أن يعمل عملاً روحياً ، بدون شركة الروح القدس .
فإن رفض شركة الروح القدس ( 2 كو 14:13 ) ، لا يمكن أن يعمل خيراً على الأطلاق . لأن كل أعمال البر ، وضعها الرسول تحت عنوان " ثمر الروح " ( غل 22:5 ) . والذى بلا ثمر على الأطلاق ، يقطع ويلقى فى النار كام قال الكتاب ( مت 10:3 ) ، ( يو 6،4:15 ) .
لذى يرفض الروح إذن : لايتوب ، ولا يأتى بثمر روحى ...
فإن كان رفضه للروح ، رفضاً كاملاً مدى الحياة ، فمعنى ذلك أنه سيقضى حياته كلها بلا توبة ، وبلا أعمال بر ، وبلا ثمر الروح . وطبيعى أنه سيهلك . وهذه الحالة هى التجديف على الروح القدس .
إنها ليست إن الإنسان يحزن الروح ( أف 30:4 ) ، ولا أن يطفىء الروح ( 1تس 19:5 ) ، ولا أن يقاوم الروح ( أع 51:7 ) ، إنما هى رفض كامل دائم للروح . فلا يتوب ، ولا يكون له ثمر فى حياة البر .
وهنا يواجهنا سؤال يقوله البعض ، ويحتاج إلى إجابة :
ماذا إن رفض الإنسان كل عمل للروح ، ثم عاد وقبله وتاب ؟
نقول إن توبته وقبوله للروح ، ولو فى آخر العمر ، يدلان على أن روح الله مازال يعمل فيه ، ويقتاده للتوبة . إذن لم يكن رفضه للروح رفضاً كاملاً دائماً مدى الحياة . فحالة كهذه ليست هى تجديفاً على الروح القدس ، حسب التعريف الذى ذكرناه .
إن الوقوع فى خطية لا تغفر ، عبارة عن حرب من حروب الشيطان .
لكى يوقع الإنسان فى اليأس ، ويهلكه باليأس . ولكى يوقعه فى الكآبة التى لا تساعده على أى عمل روحى .
أما صاحب السؤال فأقول له : مجرد سؤالك يدل على اهتمامك بمصيرك الأبدى . وهذا من عمل الروح فيك . إذن ليست هذه حالة تجديف على الروح . بقى أن نجيب على الجزء الأخير من السؤال :
هل تتفق عدم المغفرة ، مع مراحم الله ؟
أقول إن الله مستعد دائماً أن يغفر ، ولا يوجد شىء يمنع مغفرته مطلقاً . ولكن المهم أن يتوب الإنسان ليستحق المغفرة ...
فإن رفض الإنسان التوبة ، يظل الرب ينتظر توبته ولو فى آخر لحظات الحياة ، كما حدث مع اللص اليمين . فإن رفض الإنسان أن يتوب مدى الحياة ، ورفض كل عمل للروح فيه إلى ساعة موته ، يكون هو السبب فى هلاك نفسه ، وليس الله الرحوم هو السبب ، تبارك إسمه ...
المصدر / كتاب سنوات مع أسئلة الناس لقداسة البابا شنودة الثالث